رسالة من 2024 كُتبت في 2020.. ورسالة إلى 2028

في مثل هذا اليوم من عام 2020 بينما أتصفح الفيس بوك بلا هدف، قرأتُ معلومة مفادها أن هذا اليوم (29 فبراير) لا يأتي إلا كل 4 أعوام. توقفت قليلاً أمام المعلومة وحاولت التأمل، إذا كان يوماً مميزاً بهذا الشكل وعزيزاً لا يأتي إلا حينما يرغب، لمَ لا أكتب رسالة لنفسي في هذا اليوم بعد 4 أعوام؟

دون أن أفكّر كثيراً، فتحت تطبيق الملاحظات، وكتبت في العنوان: رسالة من 2024

وبدأت أكتب، وها هو نص الرسالة كما كتبتها بالضبط، دون تعديل كما تلاحظون بالأسفل تاريخ آخر تعديل. ووضعت تذكيراً لهذا اليوم.

رسالة من 2024 كُتبت في 2020.. ورسالة إلى 2028

وفي داخلي لم أكن أرى فائدة مما فعلت بل رأيته عبثاً وربما جنوناً سببه الملل! كنت أحدث نفسي: مين هيعيش لحد 2024؟! كان في مخيلتي أنها بعيدة جداً وما زال الطريق إليها طويلاً.

لكن ذاك المسكين حينها لم يكن يدرك أن الأيام ستمر بسرعة البرق، وبخفة مدهشة مخيفة في آنٍ. وها هو يكتب الآن شعوره عندما أتاه إشعار على هاتفه عنوانه: رسالة من 2024.

يا وعدي ع الأيام

بتعدّي بينا أوام

وبتدّي مبتدّيش

ندبل وهي تعيش..

غرورة.. غرورة مبيدّيش!

الخال أحمد منيب


صدقاً، انتابني الخوف من سرعة الزمن ومرور الأيام كالريح! كيف انقضت 4 أعوام كاملة وأنا أشعر أنني كتبت تلك الرسالة بالأمس القريب؟

لكن لأتحرر معكم من عبء التفكير في تلك النقطة لأنها فعلاً مؤثرة ومُبكية، دعونا نغيّر الموضوع ونطّلع على مضمون الرسالة، ونرى فيما كان يفكّر هشام نسخة 2020، ونقارن بينه وبين نسخته الحالية 2024.

وقت كتابة الرسالة:

  • لم أكن أمتلك مدونة أكتب فيها، كان حضوري على الفيس بوك فقط.
  • لم أكن أعمل، كنت أدرس في الكُلية.
  • لم أكن أرى لمستقبلي ملامح محددة، كل ما كنت أنتظره هو أن أتخرّج من هذه الكُلية وتنتهي مأساتي معها. كتبت تدوينة عن علاقتي بالهندسة:

أنا والهندسة: علاقة توكسيك من الأفضل أن تنتهي سريعاً


الآن، وبعد مرور 4 أعوام على تلك الرسالة:

  • تخرّجت من الكُلية بحمد الله وانتهت المأساة
  • تطوّرت في نواحي عديدة: الدينية، والعملية، والاجتماعية. طوّرت طريقة كتابتي، جعلتها أكثر عمقاً واختصاراً (آمل ذلك)..
  • حدّدت أولوياتي
  • علمتُ أن المثالية داء، دواؤها البدء ثم التحسين المستمر، وأنّ شيء أفضل من لا شيء..

كما تلاحظون في الصورة، كان لدي حلمٌ يراودني بإنشاء قناة يوتيوب، الآن بينما أقرأ تلك النصوص أشعر بالشفقة تجاه نفسي وأسخر منها: ما هذا الهراء؟ أين كان عقلك وأنت تشطح بهذه الأحلام والأهداف غير الواقعية. هل كنت تظن أن الأمر بهذه السهولة، ولن يحتاج سوى شهرين ثلاثة! دون أن تضع خطة مدروسة واضحة المعالم؟!

هكذا كانت نسخة هشام 2020.. فوضى، عشوائية، تعدد المهام والأهداف، كان يريد أن يفعل عشرة أمور في وقت واحد، ويحقق ألف هدف في سنة واحدة.. غفر الله له وعفا عنه جهله وقلة تبصّره!

اكتشف بعد 4 أعوام، أن ما كان يظنه ممكناً هو مستحيل، وعلم أن النجاح يستلزم تحديد أولويات. ويتطلّب التضحية بشيء مقابل آخر، ويجب أن يتقبّل حقيقة أنه لن يملك كل شيء! والعمر قصير، والطموح لا حدّ له، والجسد لا يرحم (كما قال الأستاذ ميسي).

فكان لزاماً عليه تحديد أولوياته، ولكي يحددها عليه تحديد أهداف قصيرة الأجل وأخرى طويلة الأجل، وتحقيق الأهداف لا يأتي إلا بعد تحديد المبادئ والقيم التي تحكمه في الحياة.

لفّ ودار وجرّب واستكشف، وعاد في نهاية المطاف بحقيقة يضعها نصب عينيه:

الدين ركيزة أساسية، كل الراحة والأمان والنجاح في علاقة العبد بالله، هي البوصلة التي أعود إليها حين أضيع وأضلّ الطريق. اكتشف صاحبنا أنه كلما أصلح تلك العلاقة، صلحت باقي أموره تلقائياً بمرور الوقت.


2020.. الكورونا لم تكن بهذا السوء

في تلك الفترة وقت كتابة الرسالة، تعرّفت على تدوين اليوميات، وكنّا في خضم جائحة كورونا والحجر المنزلي والفراغ اللانهائي. هنا كانت بدايتي في عالم التخطيط والتنظيم.

بدأت في تعلّم الإنجليزية في شهر إبريل من نفس السنة، وبدأت التدوين (واكتسبت 173 قارئ وصديق يتابع ما أكتب) 💖

وبدأت في كتابة المحتوى في منصة كورا بالعربية Quora (حسابي لمن يريد تصفحه)

وكان ببالي مشروع تدريب مجموعة من المشتركين ونجحتُ في تنفيذها بفضل الله من خلال جروب استعد ثم انطلق على الفيس بوك وقناة التليجرام حيث كانت الخطة نشر تحديات عبارة عن مهام يومية وأٍسبوعية تشمل دراسة كورسات وتطوير المهارات، وكل ذلك في شكل لعبة ونظام تحدي يعتمد على تجميع النقاط وتحديد الفائزين.

ولاقت الفكرة قبولاً جيداً حتى أنني لم أستطع استكمال المتابعة بمفردي فتطوّع معي بعض المشرفين ليشرفوا على المشتركين الأعضاء. والحمد لله نجح العديد في اجتياز مجموعة كورسات مهمة وحصلوا على الشهادة بفضل اجتهادهم وحماسهم للفوز وتحدّي أقرانهم. وكل ذلك مجاناً كان الهدف منه استغلال فترة الحجر وأوقات الفراغ ومحاولة تقديم شيء مفيد ونافع لمجموعة من البشر وإن قلّت. أسأل الله وأحسن به الظن أن قد كتب لي أجر هذا العمل.

وانتهى الموسم الأول، وبدأنا موسماً ثانياً ثم توقفت الرحلة هنا نظراً لانشغالي، وإلى يوم الناس هذا ما زالت تأتيني رسائل تطالبني بالعودة من جديد. لكن أراها صعبة في الوقت الحالي.


2021.. بداية جني الثمار

ما فعلته في 2020 أتى بثماره أو بعضها في بداية 2021.. مع استمراري في التدوين ونشر المحتوى حصلتُ على عدة مشاريع على مواقع العمل الحر، والسبب: ما كنت أدونه في مدونتي المتواضعة والتي فكّرتُ كثيراً في حذفها وترك التدوين ظنّا مني بألا جدوى مما أفعله، وأن لا أحد يقرأ ما أكتبه. وأثبتت الأيام خطئي وقلة تبصّري مرة أخرى!

وتوالت مشاريع الكتابة والترجمة، إلى جربت ولأول مرة العمل الدائم بواسطة وظيفة براتب شهري.

ذات صلة: إنجازات وإخفاقات ودروس.. مراجعتي السنوية لعام 2021 باستخدام أسلوب جيمس كلير


2022.. نحو عقلية أكثر نضجاً واتزاناً

بدأت عقليتي تتجه نحو: الاحترافية، التعلّم من الأخطاء. وازداد تركيزي على الجانب الصحي، على المستوى الجسدي والنفسي. وجرّبت الجيم (النادي الرياضي) لأول مرة. ويا خسارة السنوات التي قضيتها بدون جيم!

أكملتُ مشواري في صناعة المحتوى على مختلف المنصات، ووصل عدد مشاهداتي في كورا إلى مليون مشاهدة! أطلقتُ أول كتيّب إلكتروني شرحتُ في تجربتي وأسلوبي في التخطيط باستخدام تطبيق تريللو Trello. وهو مجاني يمكن للجميع تحميله وقراءته.

أهملتُ النشر قليلاً في المدونة، وعانيت من بعض الظروف الصحية، ودخلتُ غرفة العمليات للمرة الأولى في حياتي.


2023.. فاصل ونواصل

كان هذا العام بمثابة “فاصل”.. استراحة قصيرة. توقفت عن التخطيط، توقفت عن روتيني اليومي الذي كان يساعدني على الإنجاز والإنتاجية.

عامٌ خلا من كل جميل إلا:

  • تخرّجي من الكُلية (وإن لم يكن لهذا العام منقبة سوى هذه لكفته).
  • استمراري في الذهاب للجيم

ثم عادت شعلة الحماس مرة أخرى بعد حدثٍ أضعه ضمن أفضل الأحداث التي عاصرتها وأفتخر بها في حياتي: السابع من أكتوبر، معركة طوفان الأقصى.

بسببه تغيّرت أولوياتي، وأصبح التركيز على الجانب الديني ذا أولوية قصوى. واتضحت لي معالم طريقي لما تبقى من رحلتي على هذا الكوكب.


2024.. لا بديل عن الاستمرار والمحاولة

والآن.. بعد مرور شهرين من 2024. أراني:

  • قد أنضجتني التجارب على قلّتها وبساطتها.
  • تجنّبت العشوائية والفوضى
  • تركت المبالغة في وضع أهداف كبيرة، غير منطقية، وغير مرتبطة بـ أولوياتي.
  • عرفتُ طريقي للتخطيط المنظّم، والتركيز على وضع أهداف محددة وإن قلّت.
  • رتّبتُ أولوياتي.
  • عرفتُ قدر الحياه والمطلوب مني فيها إلى أن تقوم قيامتي.
  • تعاملتُ مع المشاكل، وتركتُ الصياح والشكوى والتذمّر!

في كل يوم جديد، أحاول جاهداً استغلاله وأرى فيه فرصة جديدة أعطانيها ربّي فكيف لي أن أضيّعها؟

في كل يوم جديد، أتعلّم، أقرأ، أثقّف نفسي، أحبّ الحياه (أحياناً، قدر استطاعتي).


كان هذا حديثاً من القلب، دون فلترة، وتجربة شخصية للغاية آمل أن تُلهم أحداً أو تترك في نفسه أثراً لا أعلم كنهه.

الآن أترككم تقرأون التدوينة، وأذهب مسرعاً قبل أن ينتهي اليوم الذي لن يعود إلا بعد 4 أعوام، وأفتح تطبيق الملاحظات وأكتب في العنوان: رسالة من 2028

وفي داخلي لا أرى فائدة مما أفعل، وأحدّث نفسي: مين هيعيش لحد 2028؟ لسه بدري!

3 رأي حول “رسالة من 2024 كُتبت في 2020.. ورسالة إلى 2028

  1. تدوينة جميلة جدًا…
    قلت في أحد الأسطر أنك فكرت بإغلاق مدونتك، أنا أفكر هكذا الآن، فأرى أن مدونتي وقناتي لا يلتفت إليها أحد، وأنني أكتب دون فائدة، وكذلك هذه الأفكار لا زالت مستمرة في ظل الضغط الدراسي الثانوي؛ فأرى أن كل ذلك مضيعة لوقتي وجهدي عن الدراسة…

    إعجاب

أضف تعليق