إذا اجتمع العلم والمال في قبضة رجل معتوه فعلى الدنيا السلام.. عن فيلم Don’t Look Up

مساء الخير..

شاهدت بالأمس فيلم Don’t Look Up وأثار دهشتي وتفكيري فقررت الحديث عما دار بعقلي بعد مشاهدته.

نبذة عن الفيلم

يتناول الفيلم قصة اثنين من علماء الفضاء يكتشفون مذنّب يقترب من الاصطدام بكوكب الأرض ويهدد بانقراض الحياة البشرية بالكامل في غضون ستة أشهر. يهرعون إلى صنّاع القرار وعلى رأسهم رئيسة الولايات المتحدة الأمريكية ولكنهم يندهشون من لا مبالاتها بالكارثة! يلجأون بعد ذلك إلى وسائل الإعلام لنشر الخبر وللمرة الثانية لا يبدو أن أحداً مهتم ومقدّر حجم الكارثة!

لم يبق أمامهم سوى عامة الناس لإخبارهم أننا سنموت جميعاً بعد ستة أشهر من الآن إن لم نتحرك لمحاولة إيجاد الحلول. يجدون عامة الناس منشغلون بالقضايا التافهة على وسائل التواصل الاجتماعي. تخيّل ما الذي ممكن أن يحدث لهكذا شعب وهكذا دولة لا تعير علماؤها أي انتباه؟

لن يختلف الواقع كثيراً عن سيناريو الفيلم

لنفترض أننا استيقظنا على خبر مؤكد من ناسا أو من هيئة علمية موثوقة يتحدث عن نيزك أو مذنّب سيصطدم بكوكب الأرض في خلال سنة من الآن والاصطدام مؤكد بنسبة لا تقبل الشك. كيف ستكون ردّة فعل رؤساء الدول ووسائل الإعلام وعامة الشعب؟

في رأيي أرى أنها لن تختلف كثيراً عما تخيّله الفيلم.. فكّر فيها: على مدار العشر سنوات الماضية كم من الأخبار المزيّفة التي كان عنوانها (نهاية العالم.. نيزك ضخم يقترب من كوكب الأرض)؟ المئات يا صديقي.. وبالتالي الناس سئمت وملّت من هذه الأخبار حتى بعد أن أصبحت مؤكدة علمياً سيتناولها الناس بشيء من السخرية والفكاهة وصُنع الميمز والنكات المضحكة ظنّاً منهم أن هؤلاء العلماء الأفذاذ سيبحثون عن حل في نهاية المطاف وتنتهي القصة نهاية سعيدة وكأن شيئاً لم يكن.

سيستمر الناس في متابعة حياتهم وغفلتهم ولن يستفيقوا إلا بعد فوات الأوان، لذا أعتقد أننا بحاجة للاحتفاظ بسيناريو هذا الفيلم في ذاكرتنا لأنني أرى بنسبة كبيرة جداً أن لو حدث الأمر في الحقيقة فسيكون مشابه تماماً لما شاهدناه.

انشغلوا بدي كابريو وجينيفر واتركوني مع هذا المعتوه

أبدى الكثيرون إعجابهم بأداء وشخصية ليوناردو دي كابريو وجينيفر لورانس.. لكنني أذهب بعيداً في ركن منفرد لأبدي إعجابي بشخصية (بيتر) مؤسس شركة باش التقنية. أداء مميز ومخيف أحياناً، حتى طبقة صوته المتقطّعة أشعرتني بنوع من الارتياب أثناء المشاهدة.

وإذا تحدّنا عن الإسقاطات ففي حالة الرئيسة (أورلين – ميريل ستريب) لن يختلف أحد على أنها تجسّد شخصية المعتوه (دونالد ترامب). أما في حالة (بيتر) فلا يمكن لأحد الجزم بشخصية محددة مقصودة. ستجد البعض يعتبر (بيتر) إسقاط لشخصية (مارك زوكربيرج)، وآخرون يقسمون على أن المقصود هو (جيف بيزوس). وفئة ثالثة تعتبر (بيتر) مثال لشخصية (إيلون ماسك).

وفي رأيي الشخصي أن الأسماء لا تهم، ما يهم هو صفات الشخصية نفسها، بمعنى أي رجل اجتمعت فيه هذه الصفات المجنونة فيمكن اعتباره هو. وأرى أن (بيتر) مزيج من كل هؤلاء (عمالقة التقنية).

لكن دعنا من كل ذلك.. قد تستغرب لماذا أبدي إعجابي بشخصية سايكوباتية من هذا النوع؟ ليس لأني شرير وأحب الأشرار بالتأكيد بل ما أعجبني كان طريقة تفكيره وعقليته بالتحديد. تجد أن الرجل لم يمنح ثقته الكاملة لأي شخص أو رأي! ستجد أنه لم يكذّب الخبر ولم يصدقه. أقصد أنه لم يتطرّف برأيه أقصى اليمين أو أقصى اليسار، بل اتسم بالعقلانية والهدوء، إن كان الخبر كاذباً فلم نخسر شيئاّ، وإن كان الخبر صحيحاً فكيف لي ولشركتي الاستفادة منه مادياً؟

ثم حتى بعد كل ذلك لم يثق ثقة تامة في مشروعه الذي بناه خصيصاً للقضاء على المذنّب والاستحواذ على المعادن الثمينة بداخله. بل وضع خطة بديلة في حال فشل المشروع.

كل هذا جعلني أغرم بهذه الشخصية العقلانية التي تتصرّف وفق العقل وليس العاطفة والمشاعر.

إذا اجتمع العلم والمال في قبضة رجل معتوه فعلى الدنيا السلام

شاهد كيف كان تفكير ذلك المعتوه (بيتر) الذي امتلك المال بجانب العلم والتقنية الحديثة.. لم يعد يفكر سوى في جني المزيد من المال، وأصبح لا يرى إلا المال والنقود في كل حدث مهما كان حتى لو كان هذا الحدث انقراض الجنس البشري بما فيهم هو نفسه!

ليسوا مجرد رجال أعمال

الواقع الذي أصبحنا نعيشه نجد فيه أن رؤساء الشركات التقنية باتوا أكثر نفوذاً وقوة من رؤساء الدول أنفسهم، وهذا ما أشار إليه الفيلم بوضوح وكأنه يحذّر من عواقب هذه الظاهرة. انظر مثلاً كيف اندهش بيتر واستاء جداً عندما وصفه (راندل – ليوناردو دي كابريو) بأنه “رجل أعمال”. هل فعلاً تعتقد أن مارك زوكربيرج وإيلون ماسك وجيف بيزوس حالياً مجرد رجال أعمال يديرون شركات تقنية؟! كلا.. لقد تجاوز نفوذهم ووصل إلى مرحلة خطيرة يمكنهم فيها السيطرة فعلياً على كل شيء.

إيلون ماسك يكتب ملاحظاته بعد مشاهدة الفيلم

بعدما انتهيت من مشاهدة الفيلم وتركت نفسي للتفكير في أحداثه، طافت بعقلي فكرة: يا تُرى ما هو شعور وانطباعات أشخاص مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس وغيرهم من المقصودين بشخصية بيتر. في مخيلتي أستطيع أن أرى إيلون ماسك يفتح دفتر ملاحظاته بعدما ينتهي من مشاهدة الفيلم ليدوّن بعض الأفكار والنصائح التي تساعده في المستقبل على التنبؤ بحدث ما. ربما يدوّن أنه يجب عليه أن يعدّ خطة بديلة في حال ساءت الأمور كما فعل بيتر. ربما يسجّل فكرة جهنّمية دارت برأسه المجنون بينما يشاهد مقطعاً معيناً.

نعم أرى أن هذه الأفلام قد تصبح هي نفسها أداة ووسيلة أو دعونا نقول ورقة غش ينقل منها هؤلاء الأشخاص بعض الأفكار والرؤى التي تساعدهم في المزيد من الطغيان والتجبّر المادي والتقني. هذه الأفلام قد تتيح لهم وتسهّل عليهم التنبؤ ببعض الأحداث في المستقبل لو أنهم قرروا تنفيذ فكرة ما غير مألوفة أو غير مقبولة.

أفكار أخرى لفتت انتباهي

  • لا يمكنك الوثوق أبداً بالتقنية مهما حاولوا إقناعك بأنها كاملة. والدليل أنها نجحت في توقع طريقة موت الرئيسة بينما فشلت في توقع موت راندل. هذا طبعاً كله هراء في الأساس في ديننا الإسلامي إذ لا يمكن لأحد أن يعلم الغيب. لكن الشاهد هو أن التقنية مهما تطورت لن تبلغ مرحلة الكمال أبداً.
  • فرضت السوشيال ميديا على عقولنا الانشغال بالتوافه لدرجة التغافل عن حدث فيه هلاكنا جميعاً. نعم هي ليست مبالغة بل واقعاً نعيشه للأسف.. التفاهة تحكم العالم حالياً.

أخبروني هل شاهدتم هذا الفيلم وما رأيكم فيه؟

3 رأي حول “إذا اجتمع العلم والمال في قبضة رجل معتوه فعلى الدنيا السلام.. عن فيلم Don’t Look Up

  1. تعليق على التفكير العقلاني، ألماني قبل الحرب العالمية الثانية كانت تعاني اقتصادياً ومع صعود النازية ووصولها للحكم بدأ تأجيج المشاعر القومية ضد الآخر، اليهود على الأخص واتهموا بأنهم سبب مشاكل ألمانيا، الحزب النازي كان عقلانياً وعلمياً، لا مكان للمشاعر، لذلك كان لديهم مشروع لفئة من الناس يسمونهم الآكلين عديمي الفائدة (useless eaters)، ببساطة أي شخص لا يستطيع العمل لأي إعاقة ذهنية أو جسدية يعتبر من هذه الفئة، ومنهم الأطفال، كان من المنطقي للنازيين أن التخلص من هؤلاء سيخفف العبء عن الدولة وقد فعلوا ذلك.

    لكن قبل التخلص منهم أجروا العديد من التجارب العلمية والطبية عليهم ومن هذه المأساة خرجوا بأبحاث طبية استفاد منها العالم، هذا كله باسم المنطق والعقلانية.

    الناس مخلوقات عاطفية من الأساس وإلغاء هذا الجانب منا سيقودنا إلى المآسي، لا شك المنطق والعقلانية مهمة لكن ليس على حساب إنسانيتنا، هذا كل ما أريد أن أقوله.

    Liked by 1 person

    1. لا أختلف معك في رأيك عن العقلانية. طبعاً كل أمر في الدنيا يجب ألا نذهب به أقصى اليمين أو أقصى اليسار.
      ما قصدته من تأييدي للعقلانية نابع من مواقف عديدة تمر عليّ وأجد الناس دائماً ما تعتمد على العاطفة والمشاعر في عملية اتخاذ القرارات المهمة وتغفل تماماً دور العقل في تلك العملية مما يترتب عليه عواقب غير مرغوبة.

      العقلانية مطلوبة في تلك القرارات التي تتسم بالجدية والتي تحدد بعض المصائر.. والعاطفة مطلوبة في تلك المواقف التي لا يترتب عليها ضرر كبير للأشخاص والمؤسسات.

      تأييدي للعقلانية لا يعني إطلاقاً تأييدي لكل المواقف (ومنها الموقف البشع الذي ذكرته مشكوراً) التي اتخذت من العقلانية سبباً لفعلتهم الشنيعة. القاعدة الشرعية: لا إفراط ولا تفريط.

      أشكرك جداً على تعليقك وملاحظتك عن الأمر إذ أتحت لي الحديث وتوضيح ما لم أوضحه في هيكل المقال ومررت عليه مروراً سريعاً. 🙏

      إعجاب

أضف تعليق