العمل ليس القيمة الأهم في حياتك.. تذكّر “دونا” دائماً

تحذير: قد يكون هناك حرق طفيف لبعض الأحداث

مساء الخير متابعي المدونة الكرام، جمعة مباركة عليكم جميعاً.

أتابع هذه الفترة مسلسل suits بعدما فشلت العام الماضي في متابعته بعد أول 5 دقائق في الحلقة الأولى واكتشافي أنه مسلسل عن المحاماة والقانون ولن يثير هذا اهتمامي. وهذه نظرة ساذجة عزيزي القارئ أرجو ألا تقع فيها.

فليس معنى أن المسلسل – أي مسلسل – يتناول موضوعاً لا يقع ضمن دائرة اهتماماتك أنه بالضرورة لن يعجبك. يكفي أن أخبرك أنني فكّرتُ في مشاهدة مسلسل Dr.House وقبل البدء بحثت عنه في جوجل لأعرف عنه نبذة مختصرة وبعدما قرأتها قلت لنفسي: مالي أنا ومال الطب؟ لن يفلح المسلسل في إثارة اهتمامي ولن يعجبني فلن أشاهده.

إلا أنني تراجعت وأعطيت نفسي نصف فرصة لأشاهد الحلقة الأولى، واليوم أصبح المسلسل على رأس قائمة مسلسلاتي المفضّلة بمواسمه الثمانية.

فالشاهد: لا تحكم على المسلسل من عنوانه.

عودة لما أريد الحديث عنه في هذه التدوينة، بالأمس شاهدت حلقة من الموسم الثاني شهدتُ فيها طرد (دونا) مساعدة مكتب المحامي (هارفي سبيكتور). استفزني المشهد وأصرّ على أن أكتب عنه!

لمن شاهد منكم المسلسل يعلم كيف كانت تعمل دونا وتؤدي مهامها لدرجة تجعلك تتمنّى موظفة مثلها في فريقك إن كنت مديراً أو ما شابه. متفانية في عملها، مجتهدة وذكية، تؤدي المطلوب منها قبل أن يتفوّه به مديرها. فقط مجرد أن تفكّر في حاجتك إلى مستند ما تجدها قادمة من بعيد والمستند في يدها! باختصار كانت مثالاً للموظف المجتهد المثالي الذي يطمع فيه كل مدير وتتهافت عليه الشركات.

ثم يأتي اليوم الذي يخفق فيه هذا الموظف المثالي وتأتي الكبوة التي لا بد أن يقع فيها كل جوادٍ مهما علا شأنه، وكل موظف مهما كانت كفاءته، وهذه هي طبيعة الحياة وطبيعتنا نحن كبشر! الكمال ليس من صفاتنا بل النقص. تُخطئ دونا خطأ غير مقصود، لكنه خطأ كلّف الشركة وبالتحديد هارفي خسائر فادحة. كذلك هي غلطة الشاطر، تؤلم وتصيب في مقتل.

تقرّ دونا بخطئها وتعترف وتأسف لذلك ولا تدري كيف حدث هذا الخطأ وكيف لم تلاحظ وتؤنّب نفسها على خطأ أول ووحيد خلال هذه السنوات من العمل والاجتهاد والسجلّ ناصع البياض.

بعد مناوشات وبعد إدراك الصدمة، بعد أن يدرك هارفي أن دونا إذا كانت أخطأت فهو أيضاً أخطأ لأنه لم يراجع عملها ولم يتمم عليه.

بعد أن تنتهي الأزمة ولأن أحداً يجب أن يُعاقب ويحاسِب على المشاريب، اتفقوا على جعل دونا كبش الفداء لهذا الخطأ واستقرّوا على طردها من العمل!

هكذا بكل بساطة، دون اعتبار لتاريخها المشرّف، وتفانيها في العمل. لم تشفع لها تلك السنون من الاجتهاد والتركيز الفائق وإنجاز المطلوب منها ببراعة منقطعة النظير. نتيجة خطأ غير مقصود، انمحى كل تاريخها المضيء!

أنا لا أدعو لعدم محاسبتها على الخطأ، بالعكس.. كل من أخطأ يجب أن يُعاقب. لكن بهذه الطريقة المهينة؟ كان من الممكن أن تُعاقب بالخصم من راتبها فالخسارة المالية تؤلم! أو تُحرم من مكافأة أو ترقية مهمة كانت تنتظرها في عملها. كان هناك طرق متنوعة لإنزال العقاب بها ومحاسبتها على هذا الخطأ الجسيم. لكن العقاب الوحيد الذي لم تكن تستحقه هو الطرد!

وكأنها لم تكن تعني شيئاً بالنسبة لهم وللشركة، كأن عطاءها وإخلاصها طيلة هذه السنوات لم يشفع لها. لم يقدّروها، لم يحترموها. لم يساندوها كما ساندتهم هي في مواقف كثيرة!

مع أول هفوة تخلّت عنها الشركة والإدارة ولم تدعمها ولم تعترف بما قدمته لهم من إنجازات! هذا أشدّ ما استفزني في المشهد لأكتب عنه وأرسّخ في ذهني وذهنك عزيزي القارئ قاعدة يجب أن تحفظها عن ظهر قلب:

انتبه، العمل ليس هو القيمة الأهم في حياتك.

ليست هذه دعوة للتكاسل عن أداء عملك والتفاني فيه، بل هي دعوة لخفض سقف توقعاتك ووضع الأمور في نصابها الصحيح. مهما كنت متميّزاً ومخلصاً في عملك فما أسهل الاستغناء عنك من قِبل الشركة التي تعمل بها أو المدير المسؤول عنك. لا تتوقع أن يشفع لك تاريخك المهني، ولا إخلاصك في العمل، ولا سيرتك المهنية الناصعة البياض. إذا قرروا التخلّي عنك فلن يمنعهم مانع!

فلا تنغمس في عملك وتكرّس له حياتك بأكملها ظنّاً منك أنك بذلك تسير في الاتجاه الصحيح بأن تكفل لنفسك سيرة مهنية رائعة تساعدك في الترقية أو تكون عاملاً قوياً تقدّره الشركة وتضعه في حسبانها مستقبلاً. وفي خضم ذلك تهمل صحتك، وأسرتك وبيتك. وتجعل من العمل القيمة الأهم في حياتك وباقي الجوانب تتمحور حولها. حتى إذا ما حانت لحظة كبوتك وأفول نجمك الساطع وانطفاء بريقك اللامع، تلقّيت الصدمة وتكشّفت لك الحقيقة التي كانت واضحة منذ البداية لكنك آثرت تجاهلها.

فاحرص على أن تعي هذا مبكراً، وتدرك أن العمل ما هو إلا وسيلة لكسب قوت يومك وإعالة نفسك ورعيّتك لا محوراً للحياة. وأن تفانيك في العمل يجب أن يكون خالصاً لوجه الله، لا تبتغي به تقديراً من مخلوق. ولا تحاول تحسين صورتك أمام مديرك بالتملّق له أو بأداء مهام ليست في صميم عملك ظنّاً منك أن هذا سيلاقي استحساناً عنده وسيراعيه لاحقاً.

اعتز بنفسك ولا تحط من قدرها لأجل البقاء في وظيفة لا تريدها ولا تشعر فيها بالتقدير اللازم. دافع عن عملك واحرص على الاستفادة من اجتهادك في العمل كما يستفيد منك مدرائك، لا تخجل من المطالبة بحقك نظير إنجازاتك في العمل. وضع في بالك دائماً أن الاستغناء عنك أسهل ما يمكن لهم فعله مهما كانت كفاءتك المهنية ومهما قدمت لهم من تضحيات وإنجازات ومكاسب. اعمل وفي ذهنك هذه الفكرة حتى لا تندم لاحقاً.

الفاتحة على دونا وعلى هذا الطرد المهين، لن أنساكِ يا دونا وسيظلّ مشهد طردك محفوراً في ذاكرتي في كل مرة أعتقد فيها أنني ابن الشركة أو أنتظر تقديراً من مديري في العمل.

لا أعلم هل في الحلقات القادمة ستعود دونا لعملها أم لا، لكن ذلك لا يهم.. فما حدث قد حدث.

دمتم بخير.

5 رأي حول “العمل ليس القيمة الأهم في حياتك.. تذكّر “دونا” دائماً

  1. جميل يا هشام ،للأسف لا أستطيع الإعجاب بمقالات وصفحات الأصدقاء ، أيقونة أعجبنى لا تعمل منذ شهرين وعند الضغط على أيقونة أعجبنى ترتد ثانية بدون تسجيل الإعجاب

    Liked by 1 person

أضف تعليق